بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، أغسطس 09، 2010

الجانب "المضيء" في مشكلة الخطوط السعودية


الجانب "المضيء" في مشكلة الخطوط السعودية

A320Saudia.jpg
كثر الحديث هذه الأيام عن "الخطوط السعودية" وما يعتريها من تخبط واضح في الأداء بدءا من مواعيد الرحلات، أو إلغائها، أو مشاكل الحجز المزمنة، ووصل أخيراً إلى مواضيع الأمن وسلامة المسافرين.
هذا الموضوع ليس هو الأول، وحتماً لن يكون الأخير، فقد تناول الكثير من الزملاء هذه المشكلة الكبيرة. ما يحدث اليوم في ناقلنا الوطني العريق في تاريخه وخبراته من تدهور ملحوظ في الخدمات لا يمكن السكوت عنه مجاملة لأي شخص. عندما أتى الأستاذ خالد الملحم قبل أربع سنوات إلى هذه المؤسسة كان الهدف الذي أتذكره جيداً والذي يفترض أن يحققه الرجل من بين أهداف أخرى بالطبع، هو أن يتمكن من تحويل المؤسسة بنجاح إلى شركة حكومية مغلقة ثم إدراج جزء من أسهمها للاكتتاب العام كما فعل في "الاتصالات السعودية". غير أن تخصيص هذه المؤسسة لم يحدث بعد، وربما أن هناك أسبابا حالت دون تحقيق هذا الهدف.
اليوم ومع هذا التدني الملحوظ وغير المسبوق حقيقة في مستوى ما تقدمه الخطوط من خدمات، لو كنت مكان الأستاذ الملحم لتقدمت باستقالتي فوراً مع شرح الأسباب. أفعل ذلك حباً وغيرة على الوطن وشعاره وحفاظاً على سمعة المؤسسة التي تنهار بالدقيقة والثانية. لا أظن أن "السعودية" قد وصلت إلى هذا المستوى المتدني في تأدية الخدمات منذ نشأتها. والحقيقة التي علينا إدراكها اليوم أنه كلما تأخرنا في محاولة إصلاح هذه المؤسسة زادت المشكلة وتفاقمت، وأصبح إصلاحها أصعب وأعقد وأكثر تكلفة.
لنتخيل أن الأستاذ عيسى العيسى الرئيس التنفيذي لبنك سامبا لم يأت بالنتائج المرجوة منه لصالح حملة الأسهم ولأي سبب كان، فهل سيتم الإبقاء عليه لمنصب الرئيس التنفيذي للبنك؟ أم أن مجلس الإدارة أو جمعية البنك العمومية سيبحثون عن قيادي جديد؟ الجواب سهل جداً، البنك سيأتي برئيس جديد يحقق الأهداف المرسومة ويتجاوز الظروف ويأتي بالعوائد المتوقعة إن لم تكن أفضل. هذا ما يحدث في كثير من المنشآت الكبيرة من شركات صناعية وبنوك وغيرها داخلياً وخارجياً. بل إن هذا ما يحدث في الكثير من المناصب الرسمية المعنية بتقديم الخدمات للمواطنين في العديد من دول العالم المتقدمة.
هذا يقودنا في حقيقة الأمر إلى الطريقة المتبعة في مراقبة المسؤولين في الدولة وكيفية تقييم الأداء لكل منهم. "الخطوط السعودية" تلتصق بالمواطنين بل وبالعالم، وما يلحق بها من سوء سمعة إنما يؤثر مباشرة على سمعة الوطن بأسره. ولهذا السبب تبدو مشاكلها ظاهرة أمام الجميع. لكن ماذا عن المؤسسات أو الوزارات التي لا تخضع للمراقبة ولا تقدم الخدمات بهذه الطريقة المكشوفة؟ لا أعتقد أن الدولة تخضع مسؤوليها ممن تختارهم لفترة تعيين مدتها أربع سنوات إلى معايير علمية يتم تقييمهم بموجبها من فترة لأخرى. هل لأن الحكومة جهاز غير ربحي ولا يخضع لنتائج مالية وأرباح وخسائر وبالتالي ليس مهماً ماذا يقدم؟ لا أتمنى ذلك وإن كان في هذا القول بعض الصحة.
لو استعرضنا مشكلة الكهرباء وعجز الشركة عن تنفيذ الخطط المطلوبة التي تتماشى مع النمو المعروف سلفاً في عدد الوحدات السكنية والتجارية والصناعية لوجدنا مشكلة أخرى وكبيرة لا تقل عن مشكلة خطوط الطيران. هاهي شركة الكهرباء تصارع الزمن في محاولة لرفع الأحمال والوفاء بمتطلبات الحاجة إلى التيار الكهربائي. ولو استعرضنا دور وزارة التخطيط الذي كان يفترض أن يتنبأ بهذه الحاجة إلى الكهرباء وبقية الخدمات الأخرى كالصحة والتعليم وسلامة المرور مثلاً، ولو استعرضنا الأدوار المناطة بوزراء أو مديري هذه القطاعات وأخضعناهم جميعاً للتقييم العلمي من حيث الأداء وجودته لاكتشفنا أن بعضهم ربما لم يستحق أن يمنح فترة تمديد جديدة.
المملكة تعيش هذه السنوات فترة من الطفرة المالية غير المسبوقة بسبب ارتفاع مداخيل النفط. توجهات خادم الحرمين الشريفين حفظه الله وتوجيهاته كانت ولا تزال تركز على بناء وطن الغد القادر على الصمود. شخصياً أعتبر هذه الفترة فرصة لا تعوض لبناء هذا الوطن وبأعلى المواصفات والمقاييس تعليمياً وطبياً وخدمات عامة. غير أن تحقيق مثل هذه الأهداف لن يأتي بضربة حظ، بل يتطلب الكثير من المهارات الإدارية لكل مسؤول عن هذه القطاعات مع توفر النية الصادقة بالطبع. لذلك فاختيار المسؤول أيا كان إنما يعتبر حجر الأساس والخطوة الأهم في تحقيق التنمية المنشودة. علينا أن ندرك أن تهاون المسؤول أو فشله في أداء المهمة في الزمن المحدد له لا يعتبر مجرد تقصير، بل إنه ضياع فرص قد لا نتمكن من تعويضها مستقبلاً إما بسبب المنافسة الخارجية وتجاوز المنافس لنا بمسافات يستحيل اللحاق به، أو بسبب تطور المنتجات واستحالة استبدالها فيما بعد، أو بسبب شح الموارد المالية.
هذا ما أجده مفيداً عند الحديث عن أخبار "الخطوط السعودية" السيئة. أقصد أن نتنبه إلى بقية الأجهزة الحكومية المعنية ببناء الخدمات والارتقاء بها. ومن يدري فرب ضارة نافعة. لعلنا من خلال معالجة هذه المشكلة نكتشف جانباً مضيئاً. لعلنا نعيد النظر في أساليبنا المتبعة حالياً في اختيار المسؤولين وتطبيق معايير الأداء والجودة والمحاسبة على كل واحد منهم.
فهد إبراهيم الدغيثر



ليست هناك تعليقات: