بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، يوليو 15، 2010

منقول




كنتُ دوماً أعشق الجلوس على شرفة غرفتي .
مطلّة على شوارع مدينتي الصاخبة بصمتْها .
إزعاجها هو كثيرٌ من حفيفِ الأشجار ، وزحمة سير السماء بالطيور .
صخبُ الناس بالإلتفات إلى ما يوجد في فناجين غيرهم !
أعتقد أن ساعات عيشي على هذه الدنيا ، تنحصر مكانياً على قطعة
الاسمنت هذه . كثيرٌ من ازدحام الأوراق ، وأشرطة السيمفونيات .
دفاتر وردية وبيضاء وزرقاء . وكتبٌ قرأتها وأخرى لم يحمّسني إهداؤها !
فناجيني تزدحمُ عادةً على منضدتي الخشبية . بعضها منتهية والبقية نسيتها فـ بَرُدَتْ .
كنتُ قد بدأتُ مشروعَ عشقٍ محصورٌ في كتاب .
لطالما اعتقدتُ أنني هجرت العُشّاقَ مؤخراً .
فحاصرتُ نفسي بحبِّ رجالٍ ورقيّة .
عشقتُ الشكوى لـقلبٍ خياليّ . واحتضان روحٍ ورقيّة .
والهوسَ بأسماء لا تشبههم .
هكذا كنتُ أعشق . وهكذا بدأ مشروعَ حبّي .
كتابٌ من ألوانِ الطيف .
وأوراقٌ باهتة حشرتها بين جلديه .
فـ بدأ قلبي يتشكل بنصفيه .
أخذتُ أول ورقة وكتبتُ ماضي كنتُ قد كرهته وأنا أسيرته .
.....
الحبّ قد يسأم من روحٍ قد هلكته .
ولكن الروحَ لا يمكن لها أن تسأم من حبٍّ قد ملكته .
هكذا بدأت معركتي مع الحبّ . يُخيّل لي أنها منذ بدء البشرية وأنا وهو قد خُلقنا
مشوهين ، وملتصقين .
هبة ولعنة في نفس الوقت ، أن نتلاصق هكذا .
ولزمنٍ طويل ظننتُ وآمنتُ أنها نعمة . فـ أحببتُ بلا اكتراث لسنواتٍ عديدة .
وكنتُ في ساحات الحبّ أرقص وأصرخ .
كنتُ أظن أني فقط ملطخة بدماء عاشقين غيري .
لم أستوعب يوماً أنني أنزفْ ، وأنني أرقص على دمٍ هو ملكي !
علّمني العشقُ مليّا ، كيف يمكن خداع أنثى رقراقة مثلي .
خداعها وهزمها في لعبتها !
في أكثر شيءٍ هي تتقنه .. مشاعر قلبها !
رقصتها كـ طاؤوس غرام ، وموتها كـ حمامة سلام في وطنٍ نازف .
كانت تلك هي يوميات عاشقة تشبهني في وسط دهاليز العشق المغاير لاعتقاداتها !
...
انتهت ورقتي في الكتابة عن حلمٍ عشتهُ بتثاقل فنسيتُ معظم ملامحه .
فتحت ورقة أخرى ، ممددة أمامي كمن تريديني أن أرسم لها ملامحَ لتشبهني ،
كم هي غبية لتودّ أن تكون كأنا ، أو ربما كم أنا غبية لأودّ أن أصهر العالم كلّه ليشبهني !
ارتشفتُ من فناجني كيلا يبردَ هو الآخر فـ يضيع البنّ و الماءَ هباءً . مثل كل هذا الهواء
الذي يحيط بنا . مهم ويضيعُ هباءً لأننا نتشارك فيه مع أشخاصَ لا يستحقونه !
فلسفة التنفس والهواء لا أستطيع أن أصهرها في فنجانٍ واحد قُدّرَ لي أن أشربه .
لذا عُدتُ لأعاودَ الكتابة مجدداً .
بدأتُ أكتبُ عن أشياءَ كنتُ أظنها أحلامي . لكنّها كانت أنا في حروفٍ
لم أتعرّف عليها قبل أن أنتهي منها !
....
عشتُ طويلاً على مرأى من الحبّ ، وأنا أحاول أن أتهرب منه من طريق ، لأجده في آخر الممر
متربعاً ويحيني بابتسامته العريضة .
كنا دوماً في عمارةٍ واحدة . أحدنا في طابق والآخر فوقهُ تماماً .
وأحياناً نكون كـ توأم متصلي الأعضاء . نوّد أن نهرب من بعضنا ،
والأقدار لم تجعل ذلك خياراًً لنا .
أشعر بأن العشقَ يودّ بكامل إرادته أن يهرب إلى عاشقة غيري ،
أن يجدد الدماء التي منّي وتجري بشرايينه ..
أشعر بهِ أحيانا يشتاق إليّ ، ويكرهني ، ويتودد إلى خاطري ، ويغدر بي .
أحسّ بأعضائه تتلوى لأن تفارقني ، وتتلوى لأنها تحتار بقلبي .
وكنتُ أنا الذكية والغبية هنا ، أفهمه ولا أفهمه .
أهربُ منه ، لأعود إليه كـ عاشقة ممغنطة !
وأطير منه ، لأسقط عليه من أعلى الأعالي ليقنعني أن أبني كوخ قلبي على أرضه !
وأهرعُ راكضة منه ، ويبتلعني قبل أن أستطيع أن أتمسكَ
بأرضٍ ليس بهِ أي رجلٌ غير ما تسطره أقلامي !
كنا على مرأى من بعضنا ، ونحتاطُ من شرّ وخيرِ بعضنا .
ولم نجد يوماً السلام في قلبينا !
...
وانتهت ورقتي الأخرى . والرسومُ لم تنتهي . قلبٌ دامي هنا
وريشة ممزقة هنا . آثار دماء ، ورجل يمشي بلا أصابع .
وقبعة كلاسيكية للغاية . وأشياء كثيرة غير واضحة .
احتضنتُ فنجاني وأخذت نظرة على المكان . الصخب بصمت ، والصمت بإزعاج ..
لازالا مسيطرين على الأرجاء .
مدينتي الناعسة ، كمّ أودّ أن أراكِ صاحية ، وكم أودّ أن أراكِ هادئة .
كهذا الهدوء الذي ألتمسه من السحب . لا شيء يتحرك منها ، وإن تحركت ، لا نحسّ بها
وإن أمطرت لا تعقدُ حاجبيها ، وإن أثلجت لا تصرخُ بصمتِ أشقائها .
فتحتُ الصفحة ، وأردتُ أن أعاود الكتابة ، أخذني الهاجسُ بعيداً .
حيث لا يمكن لرجلٍ أن يشدّني نحوه ، ولا لامرأة أن تفوقني أنوثة .
كنتُ مُلكَ نفسي ، ومَلكةُ أحاسيسي .
ومن ثم استوعبتُ أنها كانت سماءً سابعة !
أو ربما أرضاً ثامنة ! خَتمتُ أحلام يقظتي بتنهّد . وعدّتُ إلى الكتابة
شيءٌ من الواقع الحاليّ كان ، أو شيئاً من رؤية مستقبلية كانت .
....
انفصلنا أخيراً أنا والحبّ ، إنما فقط جسدياً .
كانَ الحبّ يطاردُ أحلامي ، ويعيش حولي ، ويرُشّ المطر فوقي .
وكنتُ أحتاطُ أن أراه يدور على مقربة منّي .
إلا أننا لم نتلامس يوماً ، لم نرتشف قهوة معاً يوماً .
أعلنَ الحبّ السلام معي . ليس تماماً لكن كنا دوماً نتملق ببعضنا طيلة أشهر وسنون .
نراقب بعضنا ، هو لا يتجرأ أن يقترب مني ، وأنا لا أودّ أن أخطي خطوتي نحوه .
سعيديّن هكذا .
لم تنشب بيننا الحروب مرّة أخرى .
ولم تُرقِ الدماءُ بَعداً ، اكتفى العشق من أن يرسل جنوده إليّ مرّة أخرى .
خبأ الرجولة التي دائماً يغريني بها لأعودَ راكضة له .
لم أعد أشعر ما يدور بخلده عندما يراني سعيدة بقلب فارغ .
ولم أعد أتحسسه عندما يراقبني وأنا أتوق للعشق ولا أبحث عنه ، وعندما أبكي لأنني أدفعُ رجلاً
خشية من أن أقع مع العشق بالتماس قد يؤدي بحياتنا معاً !
لم أعد أعرف ماذا يريد وكيف يشعر . ولا أدري فعلا إن كنتُ أشتاق له أو أفضّل الحياة بدونهِ .
كان العشق في حالاتٍ كثيرة ، كـ القهوة التي أحبّ .
مُرّة في وسطِ جُرعتها ، وتنتهي حُلوة ، لتعاودَ الاشتياقَ لها ،
وتعود لتقعَ ضحية الحبّ مرّة أخرى !
لم أدرِ إلا أنني كنتُ قد اكتفيت بالتكلم عن العشق والعيش بهِ من خلال
هذه الكلمات التي أكتب!
....
وانتهت ورقة أخرى ، وقد كانتْ الأخيرة في كتاب كنت قد وقعت في غرامه .
سخرية الكتاب أنني أنهيتها برسمةِ قلب !
التفتُ مرة أخرى خارج شرفتي ، أنوفٌ كثيرة تحاول أن تدسُّ نفسها ناحية كوخي المعلّق .
الصخب الصامت هدأ فجأة ، وضاع في زحمة السير .
السماء قد خلت من طيورها ، والأرض قد امتلأت بصبية يصرخون لبيع بضائعهم . وفتيات يتسولون من السيارات .
والعديد العديد من أشخاصٍ ينعتون بعضهم بأسماءٍ لا أعرف بعضها .
وأبواقَ قد خُلقت فقط للإزعاج ! .
يجب أن يحاكَموا كل هؤلاء ، فقد انتهَكوا حُرمة الصباح !

ليست هناك تعليقات: