بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، نوفمبر 28، 2010

لسكان: عدالة توزيع التنمية

ا

للحق، فإن بيانات اختلال نسب السكان في المناطق ليست إلا حتمية لخلل في عدالة برامج التنمية ثم نكتشف بعدها أن هذه الكثافة التنموية تحمل في طياتها دلالاتها السالبة التي تحتاج لمعالجة فورية تزيل الترهل من جانب أو مكان لتعالج به نحالة وهشاشة مكان آخر

قد أتفهم، مثالاً، أن يصل حجم سكان مدينة واحدة إلى حجم سكان خمس مدن أخرى على الخريطة ولكن من غير المفهوم أن يبلغ سكان مدينة واحدة عدد سكان خمس مناطق أخرى على ذات البيان الإحصائي. من الخطأ التنموي الضخم أن يبلغ مجرد سكان مدينتين نصف سكان المملكة. المؤشر الديموجرافي يبرهن أن تكديس المشاريع التنموية في أي مدينة لا يخدم ذات المدينة المستهدفة وعلى العكس هو يضرب بنيتها ويضر بوظيفتها التنموية الوطنية. حتى الإحصاء السكاني قد يكذب على برامج التنمية إن لم يعط الدلالات والأرقام الصادقة. في إحصاء سابق، كانت منطقة الباحة مثالاً توازي بالضبط سكان عسير وفي الإحصاء الأخير بلغت الأخيرة أربعة أضعاف الأولى في هذه الفترة القصيرة ثم إن القفزة السكانية بالأرقام في عسير لا تعني إلا أن برامج التنمية وحجم التمويل للأفكار والمشاريع قد كذبت على المنطقة إذا ما استندت إلى الأرقام القديمة السابقة. وإذا كان المواطن هو المستهدف الأساس ببرامج التنمية فإن بعض هذه البرامج تستوجب إعادة النظر: كيف سنتعامل تنموياً مع مناطق يكون فيها حجم الوافد أكثر من حجم ابن الوطن. ثم إن الخلاصة الأهم أن نعيد النظر في خارطة التوزيع السكاني عبر إعادة برمجة توزيع الأفكار والمشاريع.
خذ بالمثال قرار نقل كلية الملك فيصل الجوية إلى منطقة حائل ثم طبقِّ عليه عشرات الأفكار الأخرى التي لن تخدم المدن المستهدفة فحسب، بل سترفع الضغط عن كاهل مدن تحملت بعض الأفكار والبرامج بلا مبرر. الإحصاء السكاني الأخير، ورغم الطفرة المخيفة في نسبة التكاثر، إلا أنه يبرهن على تنامٍ مخيف في توزيع السكان على المدن والمناطق. أفكار التنمية المتوازية تستلزم الإفصاح عن حجم القروض الصناعية للقطاع الخاص وتستلزم حزماً يفترض ويفرض توجيه هذه القروض إلى الشركات التي تتقدم بمشاريع وأفكار تقوم هيكلاً ومكاناً في مناطق يجب أن تخدمها فرصة التنمية. خذ بالمثال أن نصف سكان مدينة جدة بالضبط من غير السعوديين لأن المدينة نفسها تستقطب ثلث الإقراض الصناعي الحكومي إلى القطاع الخاص فيما لا تمثل نسبة غير السعوديين في مناطق محددة أخرى سوى أقل من عشرة بالمئة. حتى هيئة الاستثمار يجب أن تفصح عن فرص الاستثمار الأجنبي وأماكن تمركزها وإلا فنحن في مواجهة المحتوم: بلد بألف مدينة، وثلثا سكانه في ثلاث مدن.
وخذ بالمقاربة ما أفرزه تكديس الجامعات، مثالاً مرة أخرى، من هجرة إخلائية لمئات المدن الصغيرة والمتوسطة الحجم وبالخصوص في سبعينات وثمانينات القرن الماضي ومن ثم تبعات هذه الهجرة التي تحولت من هجرة دراسية مؤقتة إلى دائمة تحت ضغط العاملين الاقتصادي والاجتماعي: الأول، لأن الأماكن القديمة لا تستوعب فرصاً حقيقية لنشاط اقتصادي أو وظيفي يدعو لإغراء العودة، والثاني لأن المهاجر عادة ما يكره إعادة التجربة في هجرة ارتدادية تحت الرغبة الاجتماعية والنفسية للاستقرار. صحيح أن بالإمكان التغلب على هذه المعضلة بقرار جريء مثل نشر خريطة التعليم العالي على سائر الخريطة الوطنية، وهو ما كان بالفعل، إلا أننا سنكتشف في القريب العاجل أن الخريطة الجامعية الجديدة ستتحول من حلول إلى مشكلة إن لم تصاحب هذه الجامعات أفكار وقنوات لاستيعاب آلاف الخريجين في مناطقهم المختلفة. سيجد الآلاف من هؤلاء الشباب أنفسهم بعد الجامعة أمام خيار الهجرة نحو مناطق التكدس التنموي، أو في مواجهة نوع جديد من البطالة النوعية وخذ بالمقاربة أن العقد الأخير وحده قد شهد افتتاح ما يزيد عن عشرين كلية في مجالي علوم الحاسب والهندسة في المناطق السعودية المختلفة. هؤلاء إن لم يجدوا أمامهم بنية صناعية حقيقية تقارب مستوياتهم التأهيلية فإن جامعاتهم ستظل إما مجرد مرحلة من تأجيل الهجرة أو في أفضل الأحوال مجرد برنامج لمكافحة نوعية من الأمية. وللحق، فإن بيانات اختلال نسب السكان في المناطق ليست إلا حتمية لخلل في عدالة برامج التنمية ثم نكتشف بعدها أن هذه الكثافة التنموية تحمل في طياتها دلالاتها السالبة التي تحتاج لمعالجة فورية تزيل الترهل من جانب، أو مكانٍ لتعالج به نحالة وهشاشة مكان آخر. الإفراط في التغذية مثل الإقلال منها وكلتا الظاهرتين سوء تغذية. ما الذي تحتاجه مثالاً ألف شركة وطنية في مجال التصنيع تعمل كل واحدة بما لا يقل عن ألف عامل من ثلاث مدن فقط تتمركز في محاورها الصناعية فيما بالإمكان توزيع هذه الشركات عبر الإغراء وحصر القروض وفرص التمويل من الصناديق الحكومية المختلفة؟ ما الذي يحتاجه مليونا عامل أجنبي في مدينة سعودية واحدة من هذه المدينة غير فرصة العمل التي كان بالإمكان توجيهها إلى مناطق أخرى على الخريطة.

علي سعد الموسى

ليست هناك تعليقات: