جريدة يومية تصدر عن مؤسسة اليمامة الصحفية
بالفصيح
أنت لست هو
في حياة كل إنسان خط مسيرة، وطريق سير، هذا الطريق عادة مايكون له تأثيره ربما الواضح، وربما الغامض، والسري، في سيرة حياته.
فالإنسان مجموعة من التجارب المستقلة والخاصة.. صحيح أن تجارب بني الإنسان متشابهة، متقاربة، ولكنها ليست ولن تكون متماثلة، متطابقة.. ومن ثم فإن الفرد يتمتع باستقلاليته الخاصة، استقلاليته الذاتية، والفكرية، والنفسية، والاجتماعية، والسلوكية..
أي أن حياة الإنسان الخاصة ليست حياة نمطية، بل هي حياة ذات أبعاد ومناشط وتقسيمات لا يمكن تجميعها لتشكل لوحة متماثلة مع لوحة أخرى، لذا فقد جاء الاختلاف حتمياً جوهرياً، وليس احتمالاً ظنياً.
نحن أحياناً نعجب من بعض آراء الآخرين، ونعجب من مواقفهم، ونعجب من تحولاتهم، ونعجب من طريقة تفكيرهم، وقد ننكر عليهم ذلك.. ونحن نعجب منهم لأنهم قد يخالفوننا ويختلفون معنا في رؤيتهم للأشياء، وفي تفسيرهم للأمور، وفي غمرة الاختلاف معهم، ننسى أنهم مستقلون عنا، لهم تجاربهم الخاصة، ولهم تفكيرهم الخاص المبني كما أسلفت على ثقافة الفرد وتجربته الخاصة. هذه الثقافة أو هذه التجارب التي صادفت الإنسان في طريق حياته هي التي تجعله يحدد رؤيته تجاه الأشياء، وهي التي برمجت سلوكه الاجتماعي والفكري، بل وثقته بالأشياء من عدمها...
وفي تصوري أن للإنسان ثقافتين مهمتين في حياته: ثقافته الذاتية القائمة على التجربة الخاصة، وهي ثقافة دقيقة شديدة الحساسية شديدة الخصوصية وربما شديدة الغموض.. وثقافة أخرى عامة هي نتيجة تفاعله مع محيطه (الآخر) واكتسابه لتجارب الآخرين، والأخذ بما في الحياة من سنن وقوانين أخلاقية، واجتماعية، ومهنية، واقتصادية، ووجدانية، وهي نتيجة أيضاً لمكتسباته المهارية من تعلم للفنون وألوان المعرفة. ولكن هذه كما قلت ليست المرتكزات التي تشكل الذاتية الدقيقة.
ومن ثم فإن ما يجعلنا أكثر انفصالاً عن الآخرين، بل ويجعلنا أكثر استقلالية هو: ثقافتنا الدقيقة والخاصة الحساسة.. تلك التي تميزنا عن غيرنا وبالذات فيما يتعلق بهويتنا الفكرية، أو بهويتنا العقدية أو (بطاقتنا) الخاصة إن جاز التعبير.. ولكي أوضح هذه النقطة سأضرب مثلاً فأفترض ان شخصاً قرأ نظريات (فرويد) في تفسير الأحلام وحفظها عن ظهر قلب.. ولكن تجربته الخاصة مع الأحلام تجربة مختلفة عن تفسير (فرويد) فهو من أولئك الذين يرون الرؤيا ثم تقع كما رآها أو كما كان يفسرها من خلال تجربته الذاتية السابقة.. من هنا فإنه لا يجوز لنا أن نختلف اختلافاً كلياً معه لأنه فسر الأحلام وفق تجربته الشخصية، وليس وفقاً لنظرية أصبحت سائدة. وهذا ينسحب أو ينطبق على أشياء كثيرة ولعل أهمها مسألة الايمان، ومسألة القضاء، والقدر، فهناك أناس لهم تجاربهم الايمانية الخاصة والذاتية والتي تجعلهم أكثر يقيناً بأن هناك قوى خارقة تتدخل في حياتهم أحياناً فتمنعهم مثلاً من فعل شيء ما أو تدفعهم إليه، ولا يوجد شخص تقريباً إلا ومرت به حالة من هذا النوع جعلته يفكر في الأمر... ونحن نسمع عن حوادث ووقائع يرويها أناس مختلفون حول تجارب وأحداث مرت بهم على نحو من هذا..
مشكلتنا أننا نضع قوانين وشروطاً حادة للتعاطي، وللتعامل مع أفكار الناس، ورؤاهم ومعتقداتهم، وأحياناً ننظر إلى الآخرين من منظارنا نحن أي أننا نطلب منهم لكي نتصالح أو نتفق معهم أن يكونوا نسخاً مشابهة لنا.. أي أن يفكروا مثلنا وأن يتفقوا مع نظرتنا الشخصية للحياة والأحياء. وهذا - على اطلاقه - نوع من الأنانية بل نوع من قسر الآخرين وإجبارهم على أن يؤمنوا بما نؤمن به، وأن يرفضوا ما نرفضه وفي هذا كثير من الاعتساف والبعد عن الحيادية.. ومن هنا فإن من الواجب أن نراعي الفوارق الخاصة بين من نتحدث معهم حتى ولو كانوا من أقرب الناس إلينا، فالطريقة التي تتحدث بها مع صديقك زيد مثلاً تختلف في لهجتها، ولغتها، وعقليتها عن الطريقة التي تتعامل بها مع صديقك عمرو وذلك وفقاً لثقافة كل منهما، ووعيه، وحساسيته، ورزانته، أو هوجه.. كما أن هناك أناساً أقوياء صلبين يستطيعون المواجهة في التعبير عن آرائهم بوضوح وجرأة.. وهناك من يعانون من رضوض، وتهشمات، وهشاشات في دواخلهم ومن ثم فإن علينا أن نتنبه إلى ذلك في حواراتنا معهم.. نعم هناك أشياء يتفق عليها الناس من منظور أخلاقي أممي بشري جمعي والاختلاف فيها يعتبر شاذاً وخارجاً عن العرف الأخلاقي الإنساني.. كاعتبار القتل جريمة وكذلك الظلم، وانتهاك حقوق وحرمات الناس وكذا الاحتلال والإفساد في الأرض.. فهذه متفق عليها بإجماع عقلي بشري ومن يغالط فيها أو يماري فيها فهو يعاني من خلل أخلاقي.. وليس هذا هو مجال ما يختلف فيه بنو البشر.. ولكنني أتحدث عما يمكن أن نختلف فيه من شؤون الحياة كبشر أسوياء..
وأعتقد أننا لو وضعنا في الاعتبار أن كل شخص هو حالة خاصة، بل عالم مستقل بذاته شديد الاستقلال، والخصوصية، والفرادة، وبنينا على هذا التصور منطقاً نتعامل به في مسألة الاختلاف، والاتفاق، لاستطعنا أن نتعرف على كثير من مشاكلنا، وقضايانا، الفكرية، والأخلاقية، والثقافية والسياسية أيضاً!!
رابط الخبر : http://www.alriyadh.com/2010/11/19/article578259.html
هذا الخبر من موقع جريدة الرياض اليومية www.alriyadh.com
سجل معنا بالضغط هنا
27
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
وكل عام و أنتم بخير و صحّ عيدكم كما نقول بالجزائرية
ما أروع هذا المقال يا أديبنا الفضيل فأنت تعلم كم أحبذ هذا النوع من القراءات فعلا قراءة شقاقة للشخصيات الإنسانية
ما أروع أفكارك و ماأجمل أسلوبك
و بارك الله فيك
شكرا جزيلا
صبرينة.ر/الجزائر (زائر)
UP 0 DOWN07:17 مساءً 2010/11/19
26
هذه المقالة من اجمل المقالات التي كتبتها..تذكرنا بقوله تعالى.. وفي انفسكم افلا تتفكرون..
زعفرانة
UP 0 DOWN06:22 مساءً 2010/11/19
25
أشهد بالله أنك حالة ثقافية مميزة !!
مصداقية لمقالك هو حالات الطلاق التي تحدث بين اثنين عاشا سنوات في محاولة للالتقاء الفكري والعاطفي والاجتماعي لكن دون جدوى !
ليت الناس يدركون ذلك ليقدموا العذر لبعضهم،فتستمر عجلة الحياة في دورانها دون خسائر !
نجد عبدالله (زائر)
UP 0 DOWN05:11 مساءً 2010/11/19
24
مقال جميل... وكل عام وإنتم بخير
...Gha
UP 0 DOWN03:14 مساءً 2010/11/19
23
أحسنت يا أستاذ عبدالله..والله ما أقول بعد تركك للملحقية الثقافية في لندن إلا كما قال الشاعر :
ولو أني بليت بهاشمي... خؤولته بنو عبدالمداني
لهان علي ما ألقى ولكن... تعالوا وانظروا بمن ايتلاني
محبك..ممن عمل معك فترة من الزمن
غريب الدار (زائر)
UP 0 DOWN02:46 مساءً 2010/11/19
22
مفال رائع كروعة صاحبه.لكن السوآل هو كيف نتقبل الرأي الاخر
ابو وليد01 (زائر)
UP 0 DOWN02:38 مساءً 2010/11/19
21
لو أن كل إنسان فكر بإستغلالية التفكير لدى الآخرين ولهم الحريه الكامله بذلك لأصبحت لدينا ثقافه عاليه في كل أنماط حياتنا وإنعكس ذلك على حياتنا. كل عام وأنتم بخير
حمادالعنزي (زائر)
UP 0 DOWN02:06 مساءً 2010/11/19
20
أستاذي عيدكم مبارك
هناك "فن التغافل" أعتقد أنه من الأفضل أن نتغاضى قليلاً لنسعد كثيراً.
ليس الغبي بسيدً في قومه... لكن سيدَ قومه المتغابي
لا يخلوا أي شخص من النقص..
ومن المستحيل على أي إنسان أن يجد كل ما يريده أحدهما في الطرف الآخر كاملاً...
وكما قيل
'تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل '
ويقال: ما زال التغافل من فعل الكرام
وبعض الرجال – هداهم الله –
يدقق في كل شيء وينقب في كل شيء
وكما قيل : ما استقصى كريم قط..
فلنتغاضى قليلاً حتى تسير الحياة سعيدة هانئة
لا تكدرها صغائر..@
خالد التغلبي
UP 0 DOWN01:49 مساءً 2010/11/19
19
الأستاذ الفاضل: عبدالله
كلام جميل ونظرة مبدعة لمحاولة فهم السلوك الانساني.
أتفق معكم بأن السلوك الانساني من التعقيد بمكان بحيث انه لايمكن ببساطة تفسيرة بنظرية معينة أو ضبطه بأنطمة من دون فهم دوافعه.
مقالة جميلة استمتعت بقرائتها.
بالتوفيق.
د.علي (زائر)
UP 0 DOWN01:01 مساءً 2010/11/19
18
رئع
لاتقنطو من رحمته الله ان الله ارحم الراحمين قوى قادر على كل شئ يجيب المضطر اذا دعاه احمدوالله على نعمته الاسلام
سبحان الله الله اكبر الحمدلله لإله الا الله
استغفر الله محمدصلى الله عليه وسلم
ان الله قوى قادر على كل شئ (زائر)
UP 0 DOWN12:02 مساءً 2010/11/19
17
مقال رائع جدا أستاذي العزيز
ولقد وفقك الله كجراح ماهر لمعرفة مكان الإلتهاب في ذواتنا ووصفت لنا العلاج لكن مع الأسف يقف دورك هنا ويبدأ دورنا نحن
فهل نقطع الورم ؟ ونبدأ بالعلاج ؟
" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم "
yasoo (زائر)
UP 0 DOWN11:52 صباحاً 2010/11/19
16
الاخ عبدالله يعطيك العافية مقال جداً رائع بالتوفيق.
faisal787811
UP 0 DOWN11:36 صباحاً 2010/11/19
15
شكرا أخ عبد الله كلامك صحيح بعض الناس لديه القدرة على العيش بشخصيتين في حياته فأنا في العمل شخصية مختلفة عن الشخصية التي أعيشها في أسرتي ما السبب ؟ هل هو تكيف مع البيئة؟! أم عدم رضى بالواقع المعااش؟!! أم حب في التغيير ؟؟
اللهم قنا شر أنفسناا وهواها.وزكها أنت وليها ومولاها
أم ديانه (زائر)
UP 0 DOWN11:15 صباحاً 2010/11/19
14
الاختلاف والتباين هو من ميزات الحياة بين الشعوب الاختلاف
فى الرؤة شى والاختلاف فى الذين هو شى اخر قد نتوحد
فى التباين امام مشكلة عامة وتخضع للعقل ويخرج الصائب منها
اما نختلف على عادات وتقاليد تمس كياننا فهذا اختلاف منطقى لانة تباين على الهوية والعرف والدين انما سيد الحوار
دائما هو العقل
عوض الجيلانى (زائر)
UP 0 DOWN10:44 صباحاً 2010/11/19
13
وأعتقد أننا لو وضعنا في الاعتبار أن كل شخص هو حالة خاصة، بل عالم مستقل بذاته شديد الاستقلال، والخصوصية، والفرادة، وبنينا على هذا التصور منطقاً نتعامل به في مسألة الاختلاف، والاتفاق، لاستطعنا أن نتعرف على كثير من مشاكلنا، وقضايانا، الفكرية، والأخلاقية، والثقافية والسياسية أيضاً!)
صدقت أيها الموقر...
ندى الشهري (زائر)
UP 0 DOWN10:25 صباحاً 2010/11/19
12
حياك الله.. وكلّ عام وأنت و الأهل والخلان بخير وعافية
مقال رائع ومفيد
والرؤية التي يتضمنها موجودة في صلب منهج التربية في الإسلام.
ألم يقل علي بن أبي طالب ( علموا أولادكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم.. ) في إشارة للمتغيرات ومنها بلا شك طريقة التفكير... فلننتبه ونعي الحقائق !!!
إبراهيم نويري* الجزائر (زائر)
UP 0 DOWN08:36 صباحاً 2010/11/19
11
كالعادة استاذ عبدالله
ننتظر كل اسبوع لتشرق علينا كلماتك الطاهرة الدالة على الخير المريحة للضمير النابعة من قلب صادق.
لك الشكر
ابومنيرة العجمي
UP 0 DOWN08:24 صباحاً 2010/11/19
10
ننسى أنهم مستقلون عنا، لهم تجاربهم الخاصة، ولهم تفكيرهم الخاص المبني كما أسلفت على ثقافة الفرد وتجربته الخاصة. هذه الثقافة أو هذه التجارب التي صادفت الإنسان في طريق حياته هي التي تجعله يحدد رؤيته تجاه الأشياء، وهي التي برمجت سلوكه الاجتماعي والفكري، بل وثقته بالأشياء من عدمها...
متفائلةبالخير لي وللغير (زائر)
UP 0 DOWN07:53 صباحاً 2010/11/19
9
مقال رائع
كالعادة دائم متميز
فعلا كل شخص له رؤيه ذاتيه ناتجه عن تجربة الخاصة والمفروض مايكون هناك حجر على افكار وتوجهات بعضنا البعض
وكلن بعقله راضي وماله لا
Lara
UP 0 DOWN07:07 صباحاً 2010/11/19
8
"هذه التجارب التي صادفت الإنسان في طريق حياته هي التي تجعله يحدد رؤيته تجاه الأشياء، وهي التي برمجت سلوكه الاجتماعي والفكري، بل وثقته بالأشياء من عدمها... "
أختلف معك فأن أرى أن الشريعة التي يؤمن بها الإنسان هي التي على ضوئها في إطارها يعيش...
المزيني (زائر)
UP 0 DOWN05:50 صباحاً 2010/11/19
7
مقال رائع ,وهذا مايسبب مشاكل الحوار (فيتناسى الاستقلاليه الفكرية لكل شخص )
شامخة (زائر)
UP 0 DOWN04:47 صباحاً 2010/11/19
6
السلام عليكم..
صباح الخير.كل عام والجميع بخير,
صدقت سيدي..فكل أإنسان منا له خصوصيته في حياته الخاصة
والعامه بشكل عام.في عمله وتعامله مع من حوله
له اختزالته ومعتقداته الشخصية وتجاربه
التي لاتخالف الشريعة
والاّداب العامه
ولكن الغريب هناك من يهوى اختراق هذه الخصوصية
بفضوليه عجيبه بل ربما يصل الامر الى ان يُطلب منه
ان يكون نسخه من شخصية فلان وعلان مع تجاهله
ان هذا الانسان بشر انسان له حريته في تفكيره
وتصرفاته حتى في لبسه.
خالد صالح الحميدين
UP 0 DOWN04:28 صباحاً 2010/11/19
5
مقالك فن!
ما شاء الله..
waad (زائر)
UP 0 DOWN04:27 صباحاً 2010/11/19
4
بعد التحيه استاذعبدالله
اتوقع انه من الجدير بالنظر اليه كبر مساحة المملكه وما يسببه ذلك من تعدد الثقافات واختلافها لذلك يجب الانتباه لهذا في مسائل كثيرة منها الاجتماعيه وقد يكون الدينيه وربما السياسيه والتعامل مع الآخر
السؤال \ هل يمكن تقسيم المملكه مناطقيا فربما ما في الحجاز لايوافق مافي نجد ومافي عسير لا يناسب ممن هم في سكاكا
اقول ربما وكل عام وانت والقراء بصحه وسلامه ومن تحبون
علي الخالدي
UP 0 DOWN04:20 صباحاً 2010/11/19
3
كلام جميل استاذ عبدالله وشكرأ لك
زين عالم جميل
UP 0 DOWN04:19 صباحاً 2010/11/19
2
من اروع المقالات التي فرأنها عن الذات
اتمنى تكثر من هذا التوع من المقالات
شكرا جزيلا لك... اليوم تعلمت شي جديد... :)
خالد (زائر)
UP 0 DOWN04:01 صباحاً 2010/11/19
1
لافض فوك استاذنا الكبير عبدالله اتفق معك تمام في كل نقطه ادليت بها , اسجل اعجابي بهذه المقاله
Hilaly (زائر)
UP 0 DOWN03:32 صباحاً 2010/11/19