بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، نوفمبر 19، 2010

جريدة الرياض : أنت لست هو


جريدة يومية تصدر عن مؤسسة اليمامة الصحفية

الجمعة 13 ذي الحجة 1431هـ - 19 نوفمبر 2010م - العدد 15488

بالفصيح

أنت لست هو

عبدالله الناصر

    في حياة كل إنسان خط مسيرة، وطريق سير، هذا الطريق عادة مايكون له تأثيره ربما الواضح، وربما الغامض، والسري، في سيرة حياته.

فالإنسان مجموعة من التجارب المستقلة والخاصة.. صحيح أن تجارب بني الإنسان متشابهة، متقاربة، ولكنها ليست ولن تكون متماثلة، متطابقة.. ومن ثم فإن الفرد يتمتع باستقلاليته الخاصة، استقلاليته الذاتية، والفكرية، والنفسية، والاجتماعية، والسلوكية..

أي أن حياة الإنسان الخاصة ليست حياة نمطية، بل هي حياة ذات أبعاد ومناشط وتقسيمات لا يمكن تجميعها لتشكل لوحة متماثلة مع لوحة أخرى، لذا فقد جاء الاختلاف حتمياً جوهرياً، وليس احتمالاً ظنياً.

نحن أحياناً نعجب من بعض آراء الآخرين، ونعجب من مواقفهم، ونعجب من تحولاتهم، ونعجب من طريقة تفكيرهم، وقد ننكر عليهم ذلك.. ونحن نعجب منهم لأنهم قد يخالفوننا ويختلفون معنا في رؤيتهم للأشياء، وفي تفسيرهم للأمور، وفي غمرة الاختلاف معهم، ننسى أنهم مستقلون عنا، لهم تجاربهم الخاصة، ولهم تفكيرهم الخاص المبني كما أسلفت على ثقافة الفرد وتجربته الخاصة. هذه الثقافة أو هذه التجارب التي صادفت الإنسان في طريق حياته هي التي تجعله يحدد رؤيته تجاه الأشياء، وهي التي برمجت سلوكه الاجتماعي والفكري، بل وثقته بالأشياء من عدمها...

وفي تصوري أن للإنسان ثقافتين مهمتين في حياته: ثقافته الذاتية القائمة على التجربة الخاصة، وهي ثقافة دقيقة شديدة الحساسية شديدة الخصوصية وربما شديدة الغموض.. وثقافة أخرى عامة هي نتيجة تفاعله مع محيطه (الآخر) واكتسابه لتجارب الآخرين، والأخذ بما في الحياة من سنن وقوانين أخلاقية، واجتماعية، ومهنية، واقتصادية، ووجدانية، وهي نتيجة أيضاً لمكتسباته المهارية من تعلم للفنون وألوان المعرفة. ولكن هذه كما قلت ليست المرتكزات التي تشكل الذاتية الدقيقة.

ومن ثم فإن ما يجعلنا أكثر انفصالاً عن الآخرين، بل ويجعلنا أكثر استقلالية هو: ثقافتنا الدقيقة والخاصة الحساسة.. تلك التي تميزنا عن غيرنا وبالذات فيما يتعلق بهويتنا الفكرية، أو بهويتنا العقدية أو (بطاقتنا) الخاصة إن جاز التعبير.. ولكي أوضح هذه النقطة سأضرب مثلاً فأفترض ان شخصاً قرأ نظريات (فرويد) في تفسير الأحلام وحفظها عن ظهر قلب.. ولكن تجربته الخاصة مع الأحلام تجربة مختلفة عن تفسير (فرويد) فهو من أولئك الذين يرون الرؤيا ثم تقع كما رآها أو كما كان يفسرها من خلال تجربته الذاتية السابقة.. من هنا فإنه لا يجوز لنا أن نختلف اختلافاً كلياً معه لأنه فسر الأحلام وفق تجربته الشخصية، وليس وفقاً لنظرية أصبحت سائدة. وهذا ينسحب أو ينطبق على أشياء كثيرة ولعل أهمها مسألة الايمان، ومسألة القضاء، والقدر، فهناك أناس لهم تجاربهم الايمانية الخاصة والذاتية والتي تجعلهم أكثر يقيناً بأن هناك قوى خارقة تتدخل في حياتهم أحياناً فتمنعهم مثلاً من فعل شيء ما أو تدفعهم إليه، ولا يوجد شخص تقريباً إلا ومرت به حالة من هذا النوع جعلته يفكر في الأمر... ونحن نسمع عن حوادث ووقائع يرويها أناس مختلفون حول تجارب وأحداث مرت بهم على نحو من هذا..

مشكلتنا أننا نضع قوانين وشروطاً حادة للتعاطي، وللتعامل مع أفكار الناس، ورؤاهم ومعتقداتهم، وأحياناً ننظر إلى الآخرين من منظارنا نحن أي أننا نطلب منهم لكي نتصالح أو نتفق معهم أن يكونوا نسخاً مشابهة لنا.. أي أن يفكروا مثلنا وأن يتفقوا مع نظرتنا الشخصية للحياة والأحياء. وهذا - على اطلاقه - نوع من الأنانية بل نوع من قسر الآخرين وإجبارهم على أن يؤمنوا بما نؤمن به، وأن يرفضوا ما نرفضه وفي هذا كثير من الاعتساف والبعد عن الحيادية.. ومن هنا فإن من الواجب أن نراعي الفوارق الخاصة بين من نتحدث معهم حتى ولو كانوا من أقرب الناس إلينا، فالطريقة التي تتحدث بها مع صديقك زيد مثلاً تختلف في لهجتها، ولغتها، وعقليتها عن الطريقة التي تتعامل بها مع صديقك عمرو وذلك وفقاً لثقافة كل منهما، ووعيه، وحساسيته، ورزانته، أو هوجه.. كما أن هناك أناساً أقوياء صلبين يستطيعون المواجهة في التعبير عن آرائهم بوضوح وجرأة.. وهناك من يعانون من رضوض، وتهشمات، وهشاشات في دواخلهم ومن ثم فإن علينا أن نتنبه إلى ذلك في حواراتنا معهم.. نعم هناك أشياء يتفق عليها الناس من منظور أخلاقي أممي بشري جمعي والاختلاف فيها يعتبر شاذاً وخارجاً عن العرف الأخلاقي الإنساني.. كاعتبار القتل جريمة وكذلك الظلم، وانتهاك حقوق وحرمات الناس وكذا الاحتلال والإفساد في الأرض.. فهذه متفق عليها بإجماع عقلي بشري ومن يغالط فيها أو يماري فيها فهو يعاني من خلل أخلاقي.. وليس هذا هو مجال ما يختلف فيه بنو البشر.. ولكنني أتحدث عما يمكن أن نختلف فيه من شؤون الحياة كبشر أسوياء..

وأعتقد أننا لو وضعنا في الاعتبار أن كل شخص هو حالة خاصة، بل عالم مستقل بذاته شديد الاستقلال، والخصوصية، والفرادة، وبنينا على هذا التصور منطقاً نتعامل به في مسألة الاختلاف، والاتفاق، لاستطعنا أن نتعرف على كثير من مشاكلنا، وقضايانا، الفكرية، والأخلاقية، والثقافية والسياسية أيضاً!!


ليست هناك تعليقات: